التصورات التحليلية النفسية لتشكل العرض
و البنية النفسية الجسدية
ميشال فون راد و زيغفريد تسبف
Mechael von Rad & Siegfried Zepf
ترجمة: الدكتور سامر جميل رضوان
ا- ملاحظة أولية:
لفترة طويلة فهم وفسر تشكل العرض النفسي الجسدي في التحليل النفسي من منظور عصابي نفسي، ومؤخراً بدأت تتردد طموحات تعطي لتشكل العرض النفسي الجسدي سمة تصنيفمرضية. وبدون المس باختلاف هذه المبادئ من التفسير يستند كلا المنظور!ن في رؤيتهما للعرض النفسي الجسدي إلى سمتين أساسيتين: فمن جهة يوجد اضطراب لأطر الوظائف الفيزيولوجية (غالباً ما يكون مرتبطا بتهدم عضوي) والذي يبدي من ناحية أخرى سمات سلوك تواصلي قصدي متجذر بطريقة مرمزة ذات مغزى في تاريخ الحياة الفردي، وسوف يتم هنا الاحتفاظ بمصطلح المريض (النفسي الجسدي) على الرغم من أنه يستخدم في سياقات مختلفة من المعنى وأنه غير دقيق وغير صحيح من وجهات نظر متنوعة. إلا أنه قد ترسخ مقابل المفاهيم البديلة (مثل التجلي الأول نفسي المنشأ للأمراض العضوية) ليس بسبب قصره ولكن لأنه يتسم بالصهر اللغوي للارتباط الوثيق في الوقت نفسه للعوامل النفسية والتاريخ حياتية الفردية. وعن هذا التحديد المزدوج ينجم المطلب الذي يوجب طرح التصورات التي سنعرضها من خلال المنظور الراهن: تحت أي من العوامل الفيزيولوجية النفسية والاجتماعية والنفسية يرسّي فرد ما (يحمل تجهيزاً بيولوجياً ونفسياً- بنيوياً محدداً) اضطراباً جسدياً وما هو الاضطراب الذي يرسيه وتحت أية شروط يختفي بسرعة أو يسير بصورة متأزمة أو يصبح مزمناً؟
وفيما يتعلق بتشكل العرض لما يسمى بالأمراض النفسية الجسدية التقليدية بالمعنى الضيق فإنه هنا لا بد من ملاحظة أنه على الرغم من أنها تابعة- باعتبارها أمراضاً جسدية- إلى مجال الطب الإنساني العلمطبيعي، ولكنها من حيث طبيعتها تقوم على اضطرابات العلاقات البين إنسانية لتاريخ الحياة الفردية، يمكن تقصيها وإصلاحها بالأساليب التفسيرية للتحليل النفسي.
وليس هناك من نقص في التصورات التي حاولت بتوكيدات مختلفة الأخذ بعين الاعتبار المظاهر التحليل نفسية للحدث الكلي- بصورة خاصة الطبيعة الدافعية والجسدية والأنوية والعلائقية الموضوعية (فيما يتعلق بالعلاقة بالموضوع) للعرض وتقديم إجابة عن بعض هذه الأسئلة. وعلى الرغم من أن فرويد في رسالة إلى فون فايتسكر قد عبر عن وجهة النظر التي تقول: "إنه لا يمكننا على الإطلاق القيام بالقفز من الجسدي إلى النفسي" ومع ذلك فقد حاول تجاوز الحدود ووصل هذين المجالين. وقد شكل كلا هذين المجالين- نموذج التحويل ونموذج عصاب القلق- منطق التطور النظري اللاحق.
2- نموذج التحويل (فرويد):
حسب فرويد 1932 فإنه يتم من خلال التحويل جعل تصور مسبب للإزعاج غير ضار من خلال تحويل "مجموع إثارته " إلى الجسد. وقد حدد فرويد ستة سمات للعرض التحويلي نفسه:
انه ينشأ عندما: (1)- تنزلق رغبة دافع في صراع مع المعايير الاجتماعية والداخلية وتقود بهذا إلى تصور غير قابل للتحمل، (2)- والتي لا بد لهذا السبب من استبعادها من الشعور، (3)- والصراع من طبيعة جنسية تناسيلة (أوديبي)، (4)- فإذا ما عادت هذه الرغبة الدافعية للظهور ثانية، ولا يمكن الحفاظ عليها من خلال الكبت الذي تم حتى الآن، يحدث التحويل، أي إزاحة الطاقة النفسية (اللبيدو من ملكية السيرورات النفسية إلى ملكية السيرورات الجسمية. وهذا يقود (5)- إلى عرض جسدي يعبر عن رغبة الدافع الكامنة خلفه وعن تحريم هذا الدافع بطريقة من خلال وسط مشفَّر ومرمَّز. وهذا يعني: إن التغيرات الجسدية يمكن ترجمتها إلى لغة وتكون قابلة للفهم باعتبارها كذلك.
والعرض يربط الطاقة النفسية ويحافظ على التصور المزعج أو الذي يصعب تحمله في اللاشعور، غير أنه يتطلب تركيزاً إضافياً ويقود بصورة ثانوية إلى امتلاك ليبدو مقوّى. فهو يمتلك إذاً طابع إشباع وطابع عقاب في الوقت نفسه. عدا عن ذلك فقد تمسك فرويد دائماً (6) بأنه ينبغي التسليم بوجود (تساهل جسدي) أي عامل جسدي يمتلك أهمية فيما يتعلق "باختيار العضو" يمكن تصوره في منشأ يمتد بدءاً من وجود استعداد وراثي مروراً بالإرهاق الراهن وصولاً إلى التأثيرات الطفلية الباكرة في إطار خبرات الجسد.
وحتى عندما أصبحت مثل هذه الأعراض النفسية الجسدية أكثر ندرة نتيجة للتطور الاجتماعي، فما تزال الصلاحية النظرية والعلاجية لهذا النموذج- حتى بشكلها الصارم أيضاً- غير مشكوك بها لدى مرضى حدوديين borderline على سبيل المثال الذين يعانون من شلل وظيفي (عدم القدرة على المشي Dysbasia)، وكذلك من اضطرابات حساسية أو اضطرابات في الصوت.
غير أنه سرعان ما تبين أنه في تشكيلات كثيرة من العرض تلعب عوامل اجتماعية نفسية دوراً كبيراً، والتي لا يمكن تفسيرها بصورة مقبولة من خلال هذا النموذج. وهكذا فقد تم التخلي عن الارتباط بصراع جنسي- تناسلي وذلك من أجل المحافظة على نموذج التحويل باعتباره نموذج تفسير وتوسيعه: وهكذا فقد وسع مفهوم فينيشل Fenichel "التحويل قبل التناسلي" مجال الصراعات ذات الأهمية إلى اضطرابات الحاجة الطفولية الباكرة جداً، التي تتمركز حول الرغبة بالقرب والدفء والرعاية. وحتى عندما حاول رانغل(Reangel,1959) وآخرون إعادة تضييق مفهوم التحويل ثانية، فإنه قد حدث توسيع بلا حدود لهد النموذج ليشمل عملياً على كل الصراعات الممكنة التي ظهرت في سياقاتها اضطرابات جسدية أيضاً بحيث أنه سرعان ما طرح السؤال نفسه فيما (ذا كان من المبرر الاحتفاظ بمفهوم ما، بدون أن يكون جوهر الاقتراح الفرويدي- المتمثل في التصوير الرمزي للصراع والتخفيف الدينامي الدافعي من خلال العرض- غير مبرهن- بعد- (وإلى هنا تنتمي غالبية "خطايا" النفسي الجسدي التحليل نفسي، عندما تفسر كل الحوادث الجسدية الممكنة بصورة شبه "رمزية" تقريباً - على سبيل المثال "بكاء" الشععب الهوائية في الربو.. الخ- هذه التأملات المغامِرة التي قوبلت بالاستياء من الطب، وعانى منها عدد لا بأس به من المرضى).
وقد قدم محللون نفسيون مختلفون آراء منفردة وأقل منهجية حول المنشأ (النفسي) للأمراض النفسية الجسدية، نذكر منهم في المحيط الناطق بالألمانية على سبيل المثال هارالد شولتز- هينيكة Harald Schultz-Heneke,19970 وفيرنر شفيدلر Werner Schwiddler,1970 واستثناء من ذلك شكله الكسندر متشرلش Alexander Mitscherlich الذي طرح فيما يتعلق بالأمراض الجسدية تصوراً نوعياً "لكبت أو دفاع مكون من مرحلتين" يحتل مكاناً خاصاً إلى حد ما (Mitschelich,1967). ويفترض متشرلش أن الدفاع العصابي يفشل لدى المريض النفسي الجسدي، ولهذا فهو مدفوع إلى الكبت "الجسدي" إلا أنه بهذا يترك العوامل المسؤولة عن هذا القصور معلقة، ويحطم بطرحه لمفهوم الكبت الإطار المفاهيمي لما وراء علم النفس التحليل نفسي psychoanalytical Metapsychology. إذ أنه قد تم تصميم تصور الكبت باعتباره حادث ضمن منظومة مرجعية نظرية محددة، أي منظومة الجهاز النفسي. حتى أن فرويد كان قد حذر بشدة من محاولة "تحديد التموضع النفسي تشريحيا" (Freud,1900) طالما أن الأساس النفسي العصبي للجهاز النفسي غير مفسر من خلال تجريدات وراء نفسية، وطالما لا تعني فرضية الكبت إلى الجسدي أي نوع من التقدم في المعرفة. ويبدو من المشكوك فيه فيما إذا كانت الفئات التي تم تطويرها لتفسير أسلوب وظيفة الجهاز النفسي، قابلة للتطبيق بالطريقة نفسها على السيرورات (العمليات Processes) الجسدية وفيما إذا كان يجوز نقلها.
3- عصاب القلق (فرويد):
بصورة موازية لتصور التحويل لاحظ ووصف فرويد 1895 أعراضاً جسدية من التعرق، الدوار، والإسهال كمعادل لنوبة قلق وحدده بدقة ضمن أعراض التحويل. وهنا افترض فرويد كذلك وجود مصدر جنسي، ولكنه ليس موجوداً في التطور المضطرب المشحون بالصراعات الجنسية، وإنما في اضطراب الحياة الجنسية الراهنة. ولم يعتبر أن منشأ عصاب القلق هو منشأ نفسي، وإنما سُمّي- جسدي "كنتيجة للتوترات الجنسية غير المصرفة"، وميزته الفاصلة بأنه هنا لا ينشأ عرض جسدي على أساس صراع نفسي بمساعدة عمل الكبت النفسي- أي بمساعدة عمل الأنا- إذ لا يحدث في عصاب القلق أي تمثل نفسي على الإطلاق وبدلاً من ذلك تتحول الإثارة المدركة جسدياً إلى عرض جسدي.
وقد وصف ديناميكية منشأ العرض، الذي كان يسمى في مصطلحات ذلك الوقت "بعصاب القلق" المختلفة عن آلية التحويل التي صنفها تحث الهستيريا في عام 1895 بالشكل التالي "... وهكذا تنتج وجهات نظر تشير إلى أن عصاب القلق هو الجانب الجسدي للهستيريا. فهنا نلاحظ كما هناك تكرار للإثارة... وهنا كما هناك يلاحظ قصور نفسي، تكون نتيجته حدوث حوادث جسدية شاذة... وهنا كما هناك بدلاً من التمثل النفسي حرف للإثارة نحو الجسدي، والفارق هو فقط أن الإثارة التي يظهر العصاب عبر أزاحتها هي إثارة خالصة من عصاب القلق... في حين أنها في الهستيريا هي عبارة عن إثارة نفسية" أو بصورة لا لبس فيها في عام 1917: "إن أعراض العصاب الراهن... ليس لها معنى، ليس لها أهمية نفسية".
ويتعلق الأمر- يقول في مكان آخر- (باغتراب خالص بين الجسدي والنفسي) (فرويد، 1885) وحسبما يرى لم يقدم العصاب الراهن للتحليل النفسي أي نقطة ضعف يمكن الولوج منها إليه (أي للعصاب الراهن) ولهذا فقد أزيح إلى خارج مجال التحليل النفسي.
4- العصاب العضوي وخصوصية الصراع (ألكسندر):
ظل هذا التقسيم الذي قام به فرويد، والذي حمل في طياته مبادئ تفسير لتشكل العرض النفسي الجسدي، محجوباً عن الأنظار لفترة طويلة. ومن جديد أعيدت إلى علم الأمراض التحليل نفسية مجموعة من الأمراض الجسدية التي كان فرويد قد صنف بعضها ضمن العصابات الراهنة، من قبل فرانس ألكسندر، الذي وضع من وجوه عدة أسس لطب نفسي جسدي حديث. وتحت تسمية "العصاب العضوي" و "عصاب- العضو"،- المُضلّلة في الوقت الراهن- صنف ألكسندر مجموعة من صور الأمراض (من مثل القرحة المعدية و فرط التوتر الأساسي و الربو الشُعَبي بالإضافة إلى اضطرابات وظيفية خالصة بدون تضررات عضوية) وفصلها بدقة عن أعراض التحويل.
وحسب وجهة نظره ينشأ "العصاب العضوي" عن صراع لا شعوري في سياق تطور عصابي، يقود إلى التخلي عن التصرفات الموجهة للمواضيع الخارجية، وبهذا لا يمكن صد التوتر النفسي، في حين تستمر التغيرات الإحيائية المرافقة لها. وفي خطوة ثانية يمكن أن يحدث تغير في النسيج الحي وأمراض عضوية غير عكوسة. فالاستجابة الفيزيولوجية لا يعطي هنا بأي شكل من الأشكال سمة التعبير. و "هنا لا تكون الأعراض الجسدية تعويضاً عن الانفعالات المكبوتة، وإنما هي عبارة عن أعراض فيزيولوجية طبيعية مرافقة للانفعال.. إنها لا تخفض الغضب المكبوت، وإنما ترافقه. إنها عمليات تلاؤم للعضوية... فارتفاع ضغط الدم أو حشد السكر لا يخفض الغضب بأي صورة من الصور. هذه الأعراض لا تظهر بدلاً من التوتر الانفعالي، إنها ترافق ببساطة انفعال الغضب، (إنها جزء لا ينفصل عن الظاهرة ككل التي نسميها غضباً (Alexander,1078).
عدا عن ذلك فقد اهتم ألكسندر بصورة أساسية بمسألة الخصوصية الانفعالية للعصابات العضوية. فقد خمن أن خروج الوظائف العضوية عن طريقها ترتبط مع الحالات الانفعالية في مواقف صراع محددة بعلاقة أكثر مباشرية من ارتباطها بتنميطات الشخصية الماضية. ففيما يتعلق بتطور القرحة المعدية على سبيل المثال ليس هناك من نمط شخصية محدد يحمل السمات نفسها عند جميع الأشخاص عند لألكسندر وإنما كانوا يشتركون جميعاً بموقف صراع لا شعوري نمطي، يتطور لدى أشخاص بأنماط شخصية مختلفة ويمكن أن يكتسب بالنسبة لحياة هؤلاء الأشخاص أهمية مسيطرة. وعليه يمكن في المواقف التي يعيشها المريض اللاحق بأنها فقدان للاهتمام والرعاية الداعمتين، أن تنزاح الرغبة اللاشعورية، في أن يكون محبوباً، إلى الحاجة إلى أن يُغَذّى. عندئذ يقوم التطلع إلى الاهتمام الانفعالي المكبوت تحت تأثير الأنا الأعلى بحشد مفرزات المعدة. ويعتبر ألكسندر أن الاستعداد للانزلاق في هذا الصراع تحديداً وعدم القدرة على حله بطريقة مناسبة هو عامل شخصي.
فإذا ما لم يتحقق إشباع رغبات الأمان والتعلق، عندئذ تتثبت الاستجابات العضوية على شكل خلل وظيفي يعتبرها ألكسندر نتيجة اسثارة نظيرة ودية متزايد ة.
فإذا ما تم كف إمكانات التعبير عن ميول المنافسة والعدوان في السلوك، تكون النتيجة عندئذ حالة استثارة مستمرة للمنظومة الأدرينالينية الودية. عندئذ تكون هذه الأعراض العضوية نتيجة الإثارة الودية غير المصدودة، والتي تستمر لأنه لم يتم التمكن من القيام استجابة دفاع أو هروب مناسب. ويوضح ألكسندر ذلك من خلال مثال حول المرضى يفرط التوتر الأساسي: فحسب رؤيته يتعلق الأمر لدى هؤلاء المرضى بأناس مكفوفين في عدوانهم، ضابطين لأنفسهم، غير قادرين لا نفسياً ولا جسدياً على تصريف إثارتهم العدوانية بطريقة مناسبة. وقد حاول ألكسندر طرح تصويرة أساسية ديناميكية بالنسبة لكل عصاب إعاشي Vegetative Neuroses . فعلى سبيل المثال يقود فشل الرغبات الاستقبالية- الفمية لدى مرضى القرحة إلى استجابات عدوانية- فمية، تثير من جهتها مشاعر ذنب ومخاوف. ويتم تعويض ذلك من خلال طموح واضح للإنجاز بصورة مفرطة. الأمر الذي يعزز من جهته طموحات التعلق الفمية اللاشعورية.
وهناك اعتراض آخر يمس تنميطات الصراع، التي لا نختلف كثيراً عن التأمل الدقيق فيها عن تنميطات الشخصية الباكرة. فألكسندر قد صاغ تشكيلاته الصراعية النوعية specific conflict constellation باعتبارها خاصة بكل مرضى مجموعة تصنيفمرضية ما (كالقرحة ألاثني عشرية) وهي فرضية أصبح مشكوكاً بها على أساس من البحث النفسي الجسدي الراهن. ومن موقع آخر شكك غرينكر بالفارق البالغ "مقدار شعرة" لتنميطات محددة من الشخصية ومن الصراع، التي لم يستطع فيها التعرف على شيء آخر "التشابك نفسه للتعلق والفشل والعدوانية التي تظهر بتكرار رتيب لدى كل الناس"(Grinker,1961)
وكذلك اصطدمت بالانتقاد إحدى الفرضيات الجوهرية لألكسندر والقائلة: بأن كل حالة انفعالية (....) تمتلك متلازمتها الفيزيولوجية (Alexander,1951; P.44)والتي تحتل في تصوره مركزاً أساسياً إلى حد ما. ولم تنبثق هذه الفرضية في النهاية عن تحديد أساس للعلاقة بين الظواهر النفسية والفيزيولوجية. فقد اختزل ألكسندر الظواهر النفسية إلى "وجه ذاتي لنوع من عمليات (الدفاع) الفيزيولوجية(Alexander,1951;P.28) ويعتبرها كانعكاس لها. "ففي حين أن الفيزيولوجيا تختص بوظائف الجهاز العصبي المركزي من خلال مفاهيم المكان والزمان، يجد علم النفس مدخله إلى هذا من خلال مفاهيم مجموعة من الظواهر الفيزيولوجية، التي هي عبارة عن انعكاسات Reflections لسيرورات فيزيولوجية"(Alexander,1951;P.18) وبهذا فقد تم وضع السيرورات النفسية والفيزيولوجية في علاقة روحية حGnostic ومن منظور موضوعي فان السيرورات الفيزيولوجية تكون هي نفسها انفعالات وتصبح من خلال "الانعكاس reflection" حقيقة ذاتية أيضاً.
ونظراً للنتائج التجريبية المتنوعة لم تتمكن الفرضية القائلة بأن كل تشكيلة انفعالية لها نموذجها الفيزيولوجي، من الصمود. ويبدو أن أنماط الاستجابة العضوية محددة وأقرب لأن تكون على وتيرة واحدة وأقل مرونة، وتستثار على المثيرات المختلفة بوتيرة واحدة إلى حد ما. بالإضافة إلى ذلك يبدو أن إشراك الرابط الانفعالي الجسدي "اختيار العضو" يتحدد أيضاً من خلال السيرة الفردية.
وقد بينت دراسات نفسية مخبرية (مثل تجارب ليسي وليسي 958 ا(Lacey & Lacey,1958) أنه على الرغم من أن أفراداً مختلفين يمكن أن يستجيبوا في المواقف المتشابهة بالانفعالات النفسية نفسها، إلا أن هذه الانفعالات ترتبط بمجريات جسدية مختلفة كلية. وكما تنشأ الانفعالات على المستويات النفسية كانعكاس لسيرورات دماغية جارية (مثار من خلال سيرورات دماغية) بصورة موضوعية (الكسندر 1951، صفحة 35) تعتبر المحتويات النفسية حسب رأي ألكسندر انعكاسات نفسية لسيرروات الدماغ التي تتحرك من خلال المثيرات. "عندما نتحدث عن علم النفس، فإننا نفكر هنا بسيرورات فيزيولوجية، تتألف من مجريات إثارة مرضية في الجهاز العصبي المركزي ويمكن دراستها بطرق نفسية، لأنها تدرك ذاتياً على شكل انفعالات أو أفكار أو رغبات " (ألكسندر 1951 صفحة 32)- وينظر
للمحيط هنا باعتباره مثير، يقود إلى تعديلات وأحاسيس جسدية، تدرك عندئذ ويمكن أن تقود إلى محتويات نفسية وبهذا يقترب ألكسندر من موقف جيمس لانغJames-lange(1)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][2].[/size] وأصبح بهذا التصور معرضا للنقد الذي مورس من اتجاهات مختلفة لهذا الموقف النظري المعرفي (انظر مثلا روبينشتاين، 1968). وعلى الرغم من هذا النقد هناك مظهران بصورة خاصة من نتاج ألكسندر ذوي قيمة باقية: يمس المظهر الأول تدقيق وتحديد مفهوم التحويل الفرو يدي بالنسبة لمجال النفسي الجسدي العيادي، والمظهر الثاني روعيت في تصوره استقلالية نسبية لسيرورات نفسية وأعطيت مكانها بدون أن تفصل بهذا في الوقت نفسه تاريخ الحياة الفردي. وبهذه الطريقة أصبح فرانس ألكسندر مؤسس الطب النفسي- الجسدي الحديث.
5- نموذج شور Schur في نزع وإعادة التجسيد De-and Resomatization :
على الرغم من استناد مؤلف "طبيب فرويد الخاص" في سنوات المرض الطويلة والموت إلى ملاحظات في المعالجة التحليلية النفسية لمرضى الشري العصبيNeurodermitis إلا انه يعتبر أن تصوره قابل للتطبيق مبدئياً على كل الاضطرابات "النفسية الجسدية" (شور، 974 1 صفحة 335). أما منطلقه فهو علم نفس الأنا، وهدفه التحديد النفسي لحوادث النمو والنضج النفسية سواء تحت شروط المتطلبات الداخلية (الدوافع الليبدوية والعدوانية) أم أيضاً الخارجية (المتعلقة بالمحيط مثلاً) وقد وصف شور حوادث النمو والنضج عند الرضيع والطفل باعتبارها سيرورة مستمرة لزوال التجسيد De-somatizationالمختصة بتحديد الطاقات الليبدوبة والعدوانية: في حين أن المولود الجديد وعلى أساس من بناه (النفسية والجسدية) التي ما تزال غير نامية وغبر متمايزة بعد يستجيب على اضطرابات توازنه بصورة غير متناسقة جسدياً ولا شعورية- ذات سيرورة أولية، ويقود النضج بصورة متزايدة إلى "تفتح التفكير السيروري الثانوي كمركب جوهري لتشكل الأنا" (شور 1974، صفحة 0 34). وهنا تجري مجموعة من السيرورات بصورة متوازية، وعن الطور غير المتوازن تنمو بالإضافة إلى الجهاز العصبي المركزي القدرة على التنسيق العضلي، ويمكن تدريب وظائف الإدراك بصورة متصاعدة من خلال اختبار الواقع (وبهذا من اختبار مصادر الخطر الممكنة)؛ و الحشد النامي، الذي كان في البدء في خدمة تصريف التوتر، يدعم كفاءة اختبار الواقع. ومع نمو الذاكرة وإمكانية التخطيط تنتج أولى الأسس التي تمكن سواءً من توقع الأخطار أو من تأجيل تصرف ودافع (شور 1953،ص:7) ومن المادة غير المتمايزة يتشكل شيئاً فشيئاً الأنا. وتتراجع سيرورات التصرف الإعاشة شيئاً فشيئاً إلى الخلفية. ويبدو نمو النضج عند الطفل السليم أكثر مما هو الأمر عند الحيوان المرتبط بالغريزة بصورة أشد طوال حياته كسيرورة لنزع التجسيد De-somatization. أما اتجاه النمو فيكون نحو الدمج المتناسق للسيرورات الجسدية غير المتناسقة و تخفيض أعراض التفريغ الإعاشة وفي تعويض التصرفات من خلال الأفكار. أما نتيجة النمو المرغوبة فتكون في التحكم بالمثيرات بأقل قدر ممكن من الطاقة. وحسب شور يشبه أسلوب استجابة ما، "الذي يناور فيه الأنا في مجرى الاستجابة ككل الحوادث الثانوية" تصور استجابة "أنا سوي" (1974، صفحة 342). وعندئذ يشكل كل اضطراب لسيرورة النمو هذه "خطراً على اقتصاد التوازن الجسدي- الروحي" (1974، صفحة 340). وفي الوقت نفسه وكنتيجة لسيرورة النضج هذه ينمو الأنا وبالتالي القدرة على الاستجابة للصراعات أو الأخطار الخارجية أو الداخلية بما يسمى بطاقة نفسية (تحييدية) متوفرة بصورة حرة.
ويستند شور في هذه الآراء إلى تصور التحييد Neutralization" لطاقة الدافع، التي طورها هارتمان وزملاؤه (1949) وكريس (1962)، وعلى فرضية رابابورت (1956)، الذي يفترض وجود تطابق بين درجة الطاقة النفسية ودرجة سيطرة أنماط التفكير ثانوية السيرورة. ويقوم هذا التصور على أساس أنه يمكن للأنا الاستناد على نوعين مختلفين من الطاقة المفيدة، أي على الطاقة المحيدة من جهة ومن جهة أخرى على الليبيدو والعدوانيات بصورة غير محيدة. إن مقدار القدرة على تحويل إستثارات الدافع الليبيدوية والعدوانية إلى طاقة محيدة متوفرة للفرد بصورة طليقة، تعتبر مؤشراً على شدة واستقلالية وظائف الأنا "قدرة الأنا على تحييد طاقة الدافع واستخدام هذه الطاقة المحيدة في استجاباته، تشكل نتيجة أخرى لنضج الأنا" (شور، 1974، صفحة 342).
وهذا يعني مرونة أكثر وحرية حركة أكثر للتعامل مع البرامج المخططة أو حتى لتأجيل انبعاثات الدافع الراهنة. ويرتبط نمو هذه الطاقة الطليقة بتشكل التوازن
Homoeostasis الطفلي الباكر، المتعلق بالإمداد المناسب من قبل المحيط- كالأم على سبيل المثال-، إنها إذاً (أي الطاقة/ المترجم). "مكتسبة من قبل موضوع" وفي حين يشكل الجوع بالنسبة للرضيع في البدء خطراً، فإنه ينزاح في مجرى النمو أكثر فأكثر إلى غياب الأم، التي تؤمن الإشباع، ولاحقاً إلى فقدان الحب عموماً... الخ. إذاً فالخطر الداخلي قد تحول إلى خطر خارجي وأصبح أكثر سهولة للتغلب عليه (شور، 1953 صفحة 71).
وعليه تقول الفرضية المركزية لشور بأنه "بين قدرة الأنا على التعامل على مستوى سيرورة ثانوية وعلى تحييد طاقة الدافع، وبين نزع التجسيدDesomatization لأنماط السلوك لا بد وأن تقوم علاقة متبادلة. ويرتبط بهذا فرضية أخرى ألا وهي بأن عودة التجسيد Resomatzation للاستجابات تترافق مع تنبؤ بأنماط تفكير ذات سيرورات ثانوية ضمن استخدام أشكال طاقة غير محيدة De neutralization " (شور، 1974 صفحة 342).
مجرى النضج الطبيعي الموصوف أعلاه لزوال التجسيد Desomatization يصبح تحت شروط محددة عكوساً. فعندما لا يعود من الممكن على سبيل المثال التغلب على الأخطار الخارجية والداخلية بطاقة "محيدة" متوفرة بصورة طليقة، فإنه يحدث تحت ضغط القلق الناجم عن ذلك نكوص إلى استجابات جسدية.
دافع هذه السيرورة و الذي يسمى إعادة التجسد Resomatization هو رجوع الأنا إلى أنماط باكرة من السلوك من نوع السيرورة الأولية، عندما لا يمكن التغلب على موقف خطر أو قلق بالوسائل النفسية ، أي من خلال الطاقة المتوفرة. ويسمي شور ذلك (( نكوص فيزيولوجي )) ويقصد بهذا (( نكوص إلى طلائع سيرورات التفكير والانفعالات والتصرفات الدفاعية والدافعية، التي تتجلى هنا عي النهاية على المستويات الجسدية )) ( شور ، 1974، صفحة 367 ). ويعتبر (( ضعف الأنا )) شرطاً ضرورياً للنكوص الفيزيولوجي. ويعني "ضعف الأنا " في هذا السياق بأنه قد ظهرت في السابق في الأطوار الباكرة من سيرورة نزع التجسيدDesomatization اضطرابات تكون عاقبتها تثبيتات في منظومات أعضاء محددة وبالتالي تقييد عام لقدرة الأنا، تثير صراعات بالوسائل النفسية. وتتمثل بصورة خاصة في وظيفة تحييد غير كافية للأنا ( شور ، 1974 ، صفحة 345).
وهنا نذكر إلى جانب المحددات الوراثية الأمراض الطفولية الباكرة وأنماط تفاعل معينة في الأسر’، وكذلك الصَدْمَنة ( جعل الشيء صادماً \ المترجم \) الخارجية الشديدة. ومن أجل تحديد هذه العوامل المختلفة في أهميتها المختلفة للمنشأ المرضي العام والخاص أدخل شور مفهوم التشكيلة الكلية Gesamtkonstillation ( total condition ) ( شور ، 1974، صفحة 387 ) الذي يهدف إلى التعبير أن المرء يتعامل هنا مع " تشكيلات من العوامل السببية " ، مع " أنماط محددة من نمو تجهيزات الدافع والأنا ومع حالة محددة مرتبطة بالنمو والاستعداد للأعضاء ومنظومات الأعراض ، علماً أن العوامل تكون من ناحية أخرى على علاقة متبادلة مع تأثيرات محددة للمحيط ( شور، 1974، صفحة 385).
فإذا ما وجد مثل هذا النوع من ضعف الأنا عندئذ تكون العاقبة عجز الأنا في موقف الخطر والقلق بصورة خاصة عن الاستجابة بالوسائل النفسية بسبب سوء التقدير اللاشعوري النكوصي ( عندما يتم إدراك موقف ما خارجي بأنه تكرار لصراع طفلي مبكر). عندئذ يحصل نكوص فيزيولوجي على مستويات السيرورة الأولية مع أنماط ارتكاس جسدية وإعاشية. وفي تعديل للمصطلح الفرويدي " لغة العضو " يسمي شور هذا " تصرف العضو " ، الذي يعبر من خلاله بأنه على هذا المستوى لا يتم التوقف (( التكلم )) وإنما يتم نقل الصراع من خلال العرض (( بطريقة سلوكية )). ويعتبر نوع ومقدار إعادة التجسيد Resomatization متعلقاً بطور النمو في مجريات صَدْمَنة وتثبيت على المجريات الجسدية، أي في المجريات التي أثارت الاضطراب الباكر لنزع التجسيد Desomatization . وهنا ينتج أيضاً ارتباط المشكلة المختلف عليها للخصوصية. فعلى العكس من الكسندر يقول شور : " لم أجد بأي شكل من الأشكال في دراساتي الخاصة أي نوع من الخصوصية فيما يتعلق بتعلق نمط الشخصية بالصراع ، بالدفاع ضد اندفاعات الدافع الجنسي في أطوار محددة أو ضد العدوان والدفاع الموجه ضد ه " ( شور 1974، صفحة 383 ). وبالنسبة له توجد الخصوصية فقط….في الاستعداد لارتكاسات عضوية معينة خاصة " ( شور، 1974، صفحة 386 ). أي أن الأمر لا يتعلق هنا بما يسمى بخصوصية الصراع الذي يحدد الموقف المثير لمرض ما. وهنا بالتحديد احتل نموذج شور في نزع التجسيد Desomatization أهمية بالنسبة للسيكوسوماتيك . فقد أصبح من المعقول أنه يمكن حتى لمواقف الإرهاق أو مواقف الخطر\ مواقف القلق ( غير النوعية ) ضمن ظروف معينة أن تقود إلى نكوص نفسي جسدي وتثير طبقاً لذلك ارتكاس عضو نوعي.
إلا أن مشكلة تصور إعادة التجسيد Resomatization تكمن ضمن أشياء أخرى في أنها تقوم على مجموعة من فرضيات مختلف حولها فن قبل علم نفس الأنا، أي على تصور تحييد طاقة الأنا القابلة للامتلاك بطريقة مستقلة وعلى فرضية الجذور المستقلة أولياً لوظائف الأنا ( شور، 1974 صفحة 340). فالأنا يتم تصوره بأنه نتاج لتفتح التفكير السيروري الثانوي وما يترافق مع ذلك من تحييد طاقي ليبدوي وعدواني من جهة ومن جهة أخرى يعتبر هذا التحييد وظيفة للأنا ( شور، 1974، صفحة 340، 342، 345، 355 ).
عدا عن ذلك يعتبر توسيع المصطلحات التحليلية النفسية مسألة مثيرة للإشكالية. فمفاهيم مثل الأنا ، الحادث الأولي ، التحييد، النكوص تحتل مكانها في التحليل النفسي ضمن إطار نظري محدد في إطار ما وراء علم النفس التحليلي psychoanalytical Metapsychology للجهاز النفسي، وتكمن طاقتها التفسيرية هنا. إلاّ أن الجسد الإنساني في سيروراته الفيزيولوجية المرضية والفيزيولوجية التي تسير وفق قوانين الطبيعة غير داخل في ما وراء علم النفس التحليلي وبهذا لا يمكن كذلك بمساعدة فرضية " النكوص النفسي " إزالة التشابك بين الحادث الأولي والانحياز لنزع التجسيد Desomatization و إعادة التجسيد Resomatization من خلال صفة علاقة ترابطية فقط. والشىء نفسه ينطبق على الارتباط العكسي للحادث الثانوي \ التحييد و التجسيد Desomatization . فمن خلال الارتباط الموثوق بين الحيادية و نزع التجسيد Desomatization يبدو ارتكاس الجسد الانفعالي في النهاية بأنه نوع من العرض فقط. وفي هذه المسألة يتم التساؤل كذلك حول الكيفية التي يمكن فيها الربط بين اضطراب ما لسيرورة نزع التجسيد Desomatization وأنا ناشط على مستوى الحادث الأولي مع استواء السلوك الموصوف كثيراً ومع التفكير الإجرائي ( الذرائعي ) للمريض سيكوسوماتياً الذي ( أي استواء السلوك ) يشترط على ما يبدو نزع التجسيد Desomatization وأسلوب وظيفة ذات سيرورة ثانوية للأنا.