الحداد النفسي
ما هو الحداد؟
الحداد هو احد اصعب التجارب التي يحتمل ان نمر بها واكثرها ايلاما واستنزافا. فهي انفصال نهائي لا رجعة فيه عن شخص مقرب الينا. وقد تشعر في وضع كهذا بأن عالمنا بأسره قد تداعى حولنا؛ فيتحول الوجود فجأة الى وجود فارغ حزين، ينقصه الهدف ونترك نحن في حالة من الحيرة والعجز. ويفهم الحزن عموما على انه رد الفعل الذاتي على الفقدان، بينما الحداد هو محاولتنا مواجهة الفقدان. وتستخدم هذه العبارات في الغالب بصورة متبادلة... ونفكر نحن بالموت عموما على انه السبب الرئيسي للحزن، لكن احداثا اخرى كالانفصال عن الزوج، او الفصل من العمل تتركنا مع احساس بالخسارة. ويعتمد مدى الحزن على درجة القرب من الشخص، مع انه يمكن ربطه ايضا باستعدادنا لوقوع الحدث، وبمواردنا العاطفية، وبمقدار الدعم الذي نحصل عليه من حولنا. ومن المهم ان نتذكر بأن الحداد رد فعل طبيعي وعادي على الخسارة. وهو عملية طويلة جدا يمكن ان تستمر شهورا او سنوات. وبينما يتجاوز معظم الناس هذه الفترة الصعبة من حياتهم بنجاح ويستطيعون متابعة حياتهم فانهم لن ينسوا الفقيد وسيواصلون الشعور بفقدانه.
مراحل الحداد:
قد تستغرق عملية الحداد زمنا طويلا يمتد في الغالب من ستة شهور الى بضع سنوات، وتتغير عادة المشاعر التي يمر بها الشخص مع مرور الزمن، ويشعر كل فرد بالحزن بطريقة مختلفة ويتفجع على الفقيد وليس بالضرورة أن يكون الفقيد ميتا بل قد يكون انفصال علائقي (فشل علاقة عاطفية بسبب ضروف خارجة عن نطاق طرفي العلاقة ، انفصال الزوجين ) بطريقته الخاصة، مع ان هناك مراحل معتادة تتميز بها العملية بمجملها. ويمكن للاطلاع على هذه المراحل ان يساعد في معرفة ما نتوقعه خلال الاشهر والسنوات التي ستعقب الخسارة. ويمكن للشعور بأننا لسنا وحدنا في هذا الوضع وبأن ما نمر به شيء عادي تماما، يمكن ان يفيد عملية التعافي.
تنقسم عملية الحزن عموما الى اربع مراحل او فترات زمنية:
1. صدمة، تبلد الاحساسيس وعدم التصديق – قد نجد، خلال هذه الفترة الزمنية، صعوبة في تقبل الخبر السيء، وقد تستمر هذه المشاعر بضع ساعات او اياما، وقد تدوم حتى فترة اطول من حين الى آخر، وتتميز هذه الفترة بفورات بكاء وذعر وغضب. يصف العديد من الناس انهم يشعرون وكأنهم لا وجود لهم، الا على "قائد اوتوماتيكي". ويتشبث آخرون بروتينهم المنتظم ويتصرفون وكأن شيئا لم يحدث. وتهدف الصدمة التي نمر بها الى حمايتنا من طغيان الشعور بالخسارة، وبدون هذه الصدمة الاولية سيكون من المستحيل احتمال الالم.
2. الحنين الى الفقيد
يتميز هذا الوقت بالتفكير المستمر بالفقيد وبمشاعر الاشتياق الشديدة له. وتكون هذه الافكار والمشاعر غالبا على حساب الاهتمام بمن حولنا. واثناء هذه الفترة قد نبكي عند التفكير او الكلام عن الراحل، وقد نشعر بقدر كبير من التوتر والحيرة والغضب. وينصب الغضب غالبا على العالم، وعلى انفسنا او حتى على الراحل. وقد يكون هذا الوقت وقت المشاعر المحيرة، الذي تحس فيه بالعجز والهجران.
اضافة الى ذلك، قد يكون الشعور بالذنب هو الشعور المهيمن في هذا الوقت. اذ يشعر العديد من الناس بالذنب على اشياء قالوها او فعلوها او على اشياء ربما فشلوا في ادائها. ويعاني العديد من الناس في هذا الوقت من اعراض عضوية مثل اضطرابات النوم، والاعياء وانعدام التركيز وتغييرات في عادات الاكل. ويفيد آخرون بأنهم سمعوا او شاهدوا المتوفى كما يحلم به غيرهم ايضا. كل ردود الفعل هذه طبيعية تماما وتمثل آليات يستخدمها الجسد والنفس لمواجهة الخسارة.
3. انعدام التنظيم واليأس
نبدأ تدريجيا بتقبل حقيقة ان الخسارة نهائية واننا لن نكون ابدا كما كنا؛ وقد ندرك الان انه يتعين علينا بناء هوية جديدة بدون الراحل. ويكون هذا الامر صعبا بوجه خاص عندما يكون الفقيد شخصية مركزية في حياتنا، كزوج او طفل. وقد تتميز هذه الفترة الزمنية بمشاعر الفراغ او اللامبالاة او الاكتئاب.
4. اعادة التنظيم
نبدأ في المرحلة الاخيرة ببناء حياتنا مجددا بعد الخسارة، بينما نعود ببطء الى ممارسة وظائفنا اليومية، ان هدف اعادة التنظيم ليس محو الالم او الذكريات بل خلق وضع لا تكون فيه الخسارة هي المحور المركزي في تجربتنا. وتدمج الذكريات في الحياة الجديدة التي بنيناها. وما تزال هناك، في هذه الفترة الزمنية، لحظات واوقات واحداث صعبة. وتكون الذكريات السنوية للموت والعطل واعياد الميلاد لدى العديد من الناس اوقاتا يحتمل بوجه خاص ان تثير الذكريات والمشاعر المؤلمة والحنين.